التكنولوجيا المالية وأبعادها المصرفية والاقتصادية

عدنان أحمد يوسف

ما يدفعنا لكتابة هذه السلسلة من المقالات حول التكنولوجيا المالية وتأثيراتها المصرفية والمالية والاقتصادية هي عدة أسباب. السبب الأول هو توعوي. فموضوع التكنولوجيا المالية يعتبر حديثا نسبيا، ومن المهم أن يساهم كافة المعنيين في الكتابة عنه وتوعية الجمهور والشركات حول ما هيته وأهميته لحياتهم وأعمالهم، وللاقتصاد ككل. والسبب الثاني، نظرا لكون هذا الموضوع بالنسبة لنا كمصرفيين بات يطرق أبوابنا بقوة وقمنا بالفعل بوضع الخطط والبرامج للتعامل معه وتحقيق الاستفادة الممكنة التي تنعكس إيجابا على الخدمات التي نقدمها للمجتمعات التي نعمل فيها. والسبب الثالث هو المبادرة المتميزة التي أطلقتها مملكة البحرين بقيادة مصرف البحرين المركزي ومجلس التنمية الاقتصادية لتحويل البحرين لمركز للتكنولوجيا المالية. والسبب الرابع هو هذا الاهتمام العالمي الكبير بهذا الموضوع نظرا لارتباطه الكبير بالشمول المالي والتنمية الاحتوائية والمستدامة.

وسوف نسعى خلال هذه المقالات للتعرف على ماهية التكنولوجيا المالية والقطاعات التي تشملها والخدمات التي تقدمها والأسباب التي تؤدي إلى ازدهارها وحجم الاستثمارات العالمية والعربية فيها، كذلك وضعها الراهنة في بلداننا العربية وأهميتها بالنسبة للمصارف العربية والاقتصاد العربي وآفاق تطورها والتحديات التي تواجهها وصولا للحديث عن تجربة البحرين الراهنة في التحول نحو الصيرفة الرقمية والتكنولوجيا المالية.
ونبدأ حديثنا بالتوقف قليلا أمام مفهومنا للتكنولوجيا المالية أو (Fintech) دون أن تستغرق كثيرا في جوانب نظرية أو فنية. التكنولوجيا المالية حسب تعريف «مجلس الاستقرار المالي» هي ابتكارات مالية باستخدام التكنولوجيا يمكنها استحداث نماذج عمل أو تطبيقات أو عمليات أو منتجات جديدة لها أثر ملموس على الأسواق والمؤسسات المالية، وعلى تقديم الخدمات المالية. وبمعني أخر التكنولوجيا المالية هي إدخال التكنولوجيا إلى الخدمات المالية والمصرفية التقليدية بهدف تحسين نوعيتها وقدرة الوصول إليها. وعند الحديث عن التكنولوجيا المالية لا يتبادر إلى ذهن الناس سوى بطاقات الدفع الإلكتروني التي شكّلت أبرز خدمات الموجة الأولى لهذه التقنية، إلّا أن الأمر بات يتعدّاها كثيراً. وتقسم معظم الدراسات مراحل تطور التكنولوجيا المالية إلى موجتين: اعتمدت الموجة الأولى على المدفوعات وحلول الإقراض التي تقدّم منصات التمويل الجماعي وشبكات الإقراض المباشر وحلول الدفع مثل «Pay Pal» وتدوير المال. فمن خلال تكنولوجيا المدفوعات بات دفع الفواتير أسهل وأسرع عبر الإنترنت كما استُبدلت النقود الورقية بتطبيقات هاتفية، كذلك أصبحت عملية تحويل الأموال أسهل. كذلك، سمحت التكنولوجيا للناس التي لا تمتلك حسابات مصرفية بالحصول على قروض عبر منصات إقراض وتمويل جماعي. أمّا الموجة الثانية فقد ظهرت حديثاً عبر ثلاثة توجهات رئيسية تتمثل في التحويل المالي الدولي، وإدارة الثروات والتأمين، في حين لا تزال البلوك تشين (التكنولوجيا المستخدمة في التعاملات الرقمية) في أوائل مراحلها، ومن المحتمل أن تلعب دوراً محوريّاً يتعدّى التمويل.

ومستخدمو التكنولوجيا المالية هم أربع فئات رئيسية هي 1) B2B للبنوك. 2) وعملائها من رجال الأعمال 3) B2C للشركات الصغيرة 4) والمستهلكين. ومن شأن الاتجاهات نحو الخدمات المصرفية التكنولوجيا أن تخلق فرصا هائلة لكل من هذه الفئات الأربع. فمن خلال تقديم خدماتها لهذه الفئات الأربع ستحقق التكنولوجيا المالية الكثير من الفوائد للعملاء الأفراد والشركات والبنوك والاقتصاد، أولها نمو التجارة الرقمية للمؤسسات والتجار والمستهلكين والإسراع في التوجه نحو الاقتصاد غير النقدي هذا إلى جانب ميكنة المدفوعات الإلكترونية وهو ما يساهم في دمج الاقتصاد الموازى بالاقتصاد الرسمي. والنتيجة الثانية تتمثل في زيادة الطلب على خدمات التجزئة المصرفية والخدمات التمويلية، كذلك نشر الخدمات البنكية وتحقيق الشمول المالي والتيسير على العملاء والوصول لفئات جديدة من غير المتعاملين مع البنوك وتحفيزهم على التعامل مع الجهاز المصرفين مما يسهل عليهم عرض باقي الخدمات والمنتجات البنكية والتمويل. أما النتيجة الثالثة فهي تتمثل في زيادة إنتاجية العاملين، ورفع الكفاءة التشغيلية من خلال نشر المعرفة الرقمية، مما يسهل خدمة العملاء وفق معايير الجودة العالمية.

ومن شأن التكنولوجيا المالية التصدي للتحديات الحرجة أمام تعزيز الاحتواء المالي والنمو الاحتوائي وتنويع النشاط الاقتصادي من خلال الابتكارات التي تساعد على تقديم الخدمات المالية للشريحة الكبيرة من السكان التي لا تتعامل مع الجهاز المصرفي، وتسهل إتاحة مصادر التمويل البديلة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وتستطيع التكنولوجيا المالية أيضا أن تسهم مساهمة كبيرة في تحقيق الاستقرار المالي من خلال استخدام التكنولوجيا في ضمان الامتثال للقواعد إدارة المخاطر، وتيسير التجارة الخارجية وتحويلات العاملين في الخارج بتوفير آليات تتسم بالكفاءة وفعالية التكلفة للمدفوعات العابرة للحدود، كما يمكن أن يؤدي استخدام وسائل الدفع الالكترونية إلى رفع كفاءة عمليات الحكومة.

* رئيس مجلس إدارة جمعية مصارف البحرين

ورئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية سابقاً

(صحيفة الرأي)

28-أيار-2018 00:00 ص

نبذة عن الكاتب